توصلت دراسة علمية حديثة إلى ابتكار طبي قد يساعد الأطفال الذين يحتاجون إلى زراعة قلب في الاستغناء عن "فترة انتظار"، إجراء هذه الجراحة بالمستشفى، والبقاء بالمنزل، وممارسة أنشطتهم الاعتيادية.
وفق نتائج الدراسة، المنشورة في دورية The Journal of Heart and Lung Transplantation، فإن الابتكار الجديد عبارة عن مضخة صغيرة يُمكن زراعتها للأطفال لهذا الغرض، وقد أظهرت نتائج واعدة في المرحلة الأولى من الاختبارات السريرية التي قادتها جامعة ستانفورد للطب.
يتم ربط الجهاز، الذي يعتبر نوعاً جديداً من أجهزة المساعدة البطينية، جراحياً بالقلب لزيادة ضخ الدم لدى الأفراد المصابين بقصور القلب، مما يتيح الوقت للعثور على قلب متبرع به.
المضخة الجديدة، التي تسمى جهاز المساعدة البطينية Jarvik 2015، أكبر قليلاً من بطارية AA، ويمكن زرعها في الأطفال الذين يصل وزنهم إلى نحو 26 كيلوجرامات، ويمكن لها أن تسد فجوة مهمة في رعاية زراعة القلب للأطفال، وإذا تم تأكيد النتائج المبكرة في تجربة أكبر للجهاز، فقد يصبح انتظار عملية زرع القلب أسهل للأطفال الصغار وعائلاتهم.
فشل القلب لدى الأطفال
ويمثل فشل القلب لدى الأطفال تحديات فريدة من نوعها، وغالباً ما يستلزم تدخلات عاجلة مثل زراعة القلب، ومع ذلك، فإن النقص في الأعضاء المانحة، والحاجة إلى الإقامة لفترات طويلة في المستشفى أثناء انتظار التطابق المناسب من العوائق الكبيرة في رعاية زراعة القلب للأطفال.
ولمواجهة هذه التحديات، يتم تطوير مضخة القلب القابلة للزرع، لتوفير الدعم الميكانيكي لقلوب المرضى، مما يسمح للأطفال بانتظار عملية الزرع في المنزل بدلاً من المستشفى.
شملت تجربة مضخة القلب الجديدة القابلة للزرع سبعة أطفال يعانون قصوراً في القلب، وجميعهم مرشحون لعمليات زرع القلب بهدف تقييم سلامة وفعالية الجهاز لدى المرضى من الأطفال.
ومن بين الأطفال السبعة الذين حصلوا على مضخة القلب الجديدة، خضع ستة منهم في النهاية لعمليات زرع قلب ناجحة، وشهد أحد هؤلاء الأطفال تحسناً كبيراً في وظائف القلب، ما أدى إلى تجنب الحاجة إلى عملية زرع القلب تماماً.
تسلط هذه النتائج الضوء على قدرة الجهاز الجديد على سد الفجوة في رعاية زراعة القلب للأطفال، من خلال توفير الدعم الميكانيكي الفعال أثناء انتظار قلوب المتبرعين.
ويمثل الأداء الناجح لمضخة القلب القابلة للزرع في المرحلة الأولى من الاختبارات البشرية تقدماً كبيراً في أمراض القلب لدى الأطفال؛ إذ لا يقدم الجهاز حلاً واعدًا للأطفال الذين ينتظرون عمليات زرع القلب فحسب، بل إنه يحمل أيضاً القدرة على تحسين النتائج ونوعية الحياة لمرضى الأطفال المصابين بقصور القلب.
"قلب برلين"
وفي هذا السياق، فإن جهاز المساعدة البطينية الوحيد المتاح، راهناً، لدعم الأطفال الذين يعانون فشلاً قلبياً هو مضخة تسمى "قلب برلين"، وهي غير قابلة للزرع؛ لأنها كبيرة الحجم مثل حقيبة سفر، ويتراوح وزنها بين 27 و90 كيلوجرام حسب الطراز، ويتم ربطها بالطفل بقنينتين بحجم خراطيم الحديقة تقريباً.
ولـ"مضخة برلين" مخاطر عالية إلى حد ما؛ إذ يُمكن أن تسبب الإصابة بالسكتة الدماغية، وتتطلب دخول المستشفى في معظم الحالات، مما يعني أن الأطفال غالباً ما يتحملون الإقامة في المستشفى لأشهر أثناء انتظارهم زرع القلب.
ونتيجة لذلك، فإن العبء الواقع على الأطفال الذين ينتظرون زراعة القلب أعلى بكثير من العبء الواقع على البالغين الذين يتم زرع مضخات القلب لهم، والذين يخرجون بشكل روتيني من المستشفى بتشخيصات مماثلة.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة كريستوفر ألموند، وهو أستاذ طب الأطفال بجامعة ستانفورد: "نحن ممتنون للغاية لامتلاكنا جهاز قلب برلين، وهو جهاز منقذ للحياة، ورغم أن أجهزة مساعدة البطين للبالغين تتحسن كل عقد، ولكن في طب الأطفال نستخدم هذه التكنولوجيا من الستينيات".
ويشير ألموند إلى أن أجهزة مساعدة البطين القابلة للزرع متاحة للبالغين منذ أكثر من 40 عاماً.
ولا تتناسب المضخة الجديدة مع صدور المرضى فحسب، بل تميل إلى أن تكون أكثر أماناً، وأسهل في الاستخدام من الأجهزة الخارجية مثل جهاز "قلب برلين"؛ إذ يمكن للمرضى العيش في المنزل، والذهاب إلى العمل أو المدرسة، والمشي وركوب الدراجات.
ويقول ألموند إن التأخر في تكنولوجيا طب الأطفال يمثل مشكلة بالنسبة للأجهزة الأخرى المصممة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من أمراض القلب، وفي طب الأطفال بشكل عام "هناك فرق كبير في التكنولوجيا الطبية المتاحة للأطفال والكبار، وهي مشكلة صحية عامة مهمة تكافح الأسواق لحلها لأن حالات مثل قصور القلب نادرة لدى الأطفال".
ويحتاج عدد أقل بكثير من الأطفال إلى عمليات زرع قلب مقارنة بالبالغين، مما لا يترك حافزاً يُذكر لشركات الأجهزة الطبية لتطوير مضخة مصغرة للأطفال.
لكن عدم وجود جهاز صغير لمساعدة البطين للأطفال يُجهد النظام الطبي، حيث إن الأطفال الملحقين بمضخة "قلب برلين" يتكبدون فواتير طبية كبيرة، ويمكنهم شغل أسرة المستشفيات في وحدات رعاية القلب والأوعية الدموية المتخصصة لعدة أشهر، مما قد يقلل من توافر هذه الأسرة للآخرين مرضى.
مضاعفات جهاز المساعدة البطينية
شملت تجربة جدوى جهاز المساعدة البطينية سبعة أطفال يعانون من قصور القلب الانقباضي، وتؤثر هذه الحالة على أكبر حجرة ضخ في القلب، وهي البطين الأيسر، الذي يضخ الدم من القلب إلى جميع أنحاء الجسم.
وأصيب ستة أطفال بقصور القلب الانقباضي الناجم عن مرض يسمى اعتلال عضلة القلب التوسعي، حيث تتضخم عضلة القلب وتضعف ولا تضخ الدم بشكل صحيح.
وكان قلب أحد الأطفال يفشل في ضخ الدم بسبب انسداد القلب الكامل الناجم عن مرض الذئبة، وهو أحد أمراض المناعة الذاتية، وكان جميع الأطفال في التجربة مدرجين في قائمة زراعة القلب.
زُرع الجهاز لكل طفل جراحياً في البطين الأيسر، وهو أكبر حجرة ضخ للقلب، وفي الوقت نفسه، بدأ كل منهم بتناول دواء لمنع تجلط الدم، وتقليل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وعندما استلموا المضخات، كان عمر الأطفال ما بين 8 أشهر إلى 7 سنوات وكان وزنهم يتراوح بين 8 إلى 20 كيلوجراماً.
وإذا وافقت الهيئات التنظيمية الطبية على المضخة الجديدة، فإن عدد الأطفال المرشحين لاستخدامها، كل عام، في جميع أنحاء العالم، يتراوح ما بين 200 إلى 400 طفل.
وقيَّمت التجربة ما إذا كانت المضخة قادرة على دعم المرضى لمدة 30 يوماً على الأقل دون التوقف عن العمل، أو التسبب في سكتة دماغية حادة، وجمع الباحثون أيضاً بيانات السلامة والأداء الأولية لمساعدتهم في تصميم تجربة أكبر للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء المحتملة.
رغم أن المضخة تهدف بشكل مثالي إلى السماح للأطفال بانتظار عمليات زرع القلب في المنزل، لأنها كانت جزءاً من تجربة سريرية، فقد خضع المشاركون للمراقبة في المستشفى حتى يتلقوا عملية زرع قلب أو يتعافوا.
جودة الحياة
وتتبع الباحثون ضغط الدم للمشاركين، وهو علامة على تجلط الدم وخطر السكتة الدماغية، بالإضافة إلى قياس مستويات الهيموجلوبين للتحقق مما إذا كانت المضخات تكسر خلايا الدم الحمراء، ومراقبة المرضى بحثاً عن مضاعفات أخرى.
وكان متوسط الوقت الذي استخدم فيه الأطفال المضخة 149 يوماً، وأجرى ستة أطفال عمليات زرع قلب، وسُجِّل شفاء قلب طفل واحد.
وعانى عدد قليل من الأطفال من مضاعفات عند استخدام المضخة الجديدة؛ فالطفل الذي تعافى قلبه أصيب بسكتة دماغية (من جلطة دموية) عندما أصبح القلب قوياً بما يكفي لضخ الدم، وأزيلت المضخة، واستمر الطفل في التعافي وظل على قيد الحياة. فيما عانى مريض آخر من فشل الجانب الأيمن من القلب، ونُقل إلى مضخة "قلب برلين" في انتظار عملية الزرع.
بالنسبة لمعظم المرضى، كانت المضاعفات قابلة للتحكم، ويمكن مقارنتها بشكل عام بما يتوقعه الأطباء عندما يتم إلحاق طفل بمركز "قلب برلين".
وأظهرت الاستبيانات حول جودة الحياة أن معظم الأطفال لم ينزعجوا من الجهاز، ولم يشعروا بالألم منه، ويمكنهم المشاركة في معظم أنشطة اللعب، وأفادت إحدى العائلات أن طفلها الصغير كان قادراً على الحفاظ على قدر أكبر من الحركة باستخدام المضخة، مقارنةً بأخيه الأكبر الذي كان يتلقى الدعم سابقاً من "مضخة برلين".