اختتم معرض أبوظبي الدولي للكتاب دورته 33، التي تميّزت باختيار مصر ضيف شرف، إذ خصّصت وزارة الثقافة المصرية جناحاً لتقديم مجموعة من الندوات وحفلات توقيع الكتب، فضلاً عن اختيار نجيب محفوظ (1911 ـ 2006) الشخصية المحورية، عبر سلسلة من الندوات، بمشاركة مثقفين وباحثين من مصر والعالم العربي، تناولوا تجربته الإنسانية والإبداعية.
شاركت وزيرة الثقافة المصرية د.نيفين الكيلاني في افتتاح المعرض، بحضور وزير الثقافة والشباب سالم بن خالد القاسمي، و د. علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، ود. شريف عيسى السفير المصري في الإمارات، ومحمد المر رئيس مجلس إدارة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم.
وأكدت كيلاني "أن الاحتفاء الثقافي بمصر، يدلّ على عمق الروابط والعلاقات بين مصر والإمارات، وقد عملنا معاً كي نظهر للعالم من خلال منصّة المعرض، قوّة الثقافة العربية وثراءها".
بدوره أكد الدكتور علي بن تميم، "أن اختيار محفوظ يقدّم فهماً لتطوّر الشخصية المصرية، وتاريخ وتطوّر الكتابة الروائية في العالم العربي".
وضمن أنشطة الجناح المصري، أقيمت ندوة حول كواليس حياة نجيب محفوظ الوظيفية، وكيف كان موظفاً مثالياً، تحدّث فيها الكاتب الصحفي طارق الطاهر، الذي بحث في وثائق وملفّات الروائي الكبير، وتتبّع مساره الحياتي والمكاني وظروف مرضه، وتنقّله بين ثلاث وزارات، فضلاً عن أهم القرارات التي صدرت باسمه.
أم كلثوم
وأذاع الجناج المصري جلسة مسجّلة بعنوان "نجيب محفوظ في عيون العالم"، أعدّت عند بلوغه التسعين، شارك فيها محمد عناني وماهر شفيق. وخلال توقيع الكاتب محمد سلماوي سيرته التوثيقية، تطرّق إلى علاقته الوطيدة لسنوات مع محفوظ، وتوثيقه لآخر 45 يوماً في حياته.
كذلك تطرّق الروائي يوسف القعيد في الاحتفال الخاص ببلوغه الثمانين، إلى علاقته المميّزة بمحفوظ منذ لقائه الأول معه في مقهى ريش.كما حلّت أم كلثوم، ابنة محفوظ، ضيفة على المعرض، وأشادت باختيار والدها شخصية المعرض، وبالمتحف المميّز الذي أعدّه المعرض له.
إبحار في عوالم غنية
تضمّن محور شخصية المعرض، مجموعة كبيرة من الندوات في مختلف القاعات، استمرّت حتى اليوم الأخير، تناولت حياة الأديب محفوظ، وذلك بإشراف د.برلنت قابيل، مدير البرامج في مركز أبوظبي للغات، ود.هيثم الحاج علي، أستاذ النقد والأدب العربي في جامعة حلوان، والكاتب الصحفي زين خيري.
وقالت د.برلنت قابيل: "خصّصنا مساحة متفرّدة للإبحار في عوالم شخصية غنية ومبدعة للبحث في خفاياها، ونشأتها، والوقوف عند نتاجها، بالدراسة والتحليل، والقراءة المعمّقة، ورصدنا تأثيرها في مختلف جوانب الثقافة والفنون الأخرى، ما وفّر فرصة نادرة للتماهي مع الشخصية، والتعرّف على مكنوناتها، خصوصاً مع وجود الأدوات العصرية السمعية والبصرية".
وأكد د.هيثم الحاج علي، أن معرض أبو ظبي للكتاب "نجح في الاحتفاء بمحفوظ ومنجزه الإبداعي والإنساني، عبر مجموعة من الفعاليات التي يمكن اعتبارها رسالة معاصرة للكاتب، تصنع جسراً بينه وبين الأجيال الشابّة التي لا تنتمي إلى عصره".
أضاف: "يحسب للندوات تنوّعها وانفتاحها على أثر الفنون المختلفة في إبداع محفوظ، كالسينما والفنون التشكيلية والموسيقى، ورصد تأثيره على الأحفاد من الكُتّاب الشباب، كما حرصنا على استقطاب الجميع، وطرحنا أسئلة جديدة مثل: كيف قرأه الأجانب، وماذا عن أحفاده الروائيين الآن، وكيف يتفاعل معه صنّاع المحتوى على الإنترنت؟"
مقهى الفيشاوي
من جانبه أشاد الكاتب الصحفي زين خيري بالجهود الكبيرة التي بذلتها إدارة المعرض، ليس فقط في استقطاب مبدعين مصريين وعرب من أجيال مختلفة، وتنويع عناوين الندوات ومحاورها، وإنما في تحضير "متحف مصغّر" ومجسّم داخل المعرض، قسّم إلى ثلاثيات مثل الثلاثية التاريخية والثلاثية الواقعية".
وأوضح أن المتحف تضمّن مجموعة من الصور والبث الحيّ، وتجسيد لمقهى الفيشاوي المفضّل لدى الأديب الراحل، وجرافيتي مميّز للفنان أحمد نوفل، وراعينا في تنفيذ هذا المشروع البصري والجمالي، تقديم محفوظ وعالمه، ونجحنا في التعريف بالكاتب وعالمه الإبداعي.
جلسات وندوات
بالنسبة إلى الندوات والجلسات كان أبرزها: جلسة "نجيب محفوظ .. مرآة التاريخ والمجتمع"، تحدث فيها د.محسن الموسوي من جامعة كولومبيا، ود.أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية، والمفكّر المغربي سعيد بنسعيد العلوي، وأدارتها الروائية ريم بسيوني، وناقشوا أعماله من منظوري علم الاجتماع والتاريخ.
كما عقدت جلسة "البدايات والخواتيم"، أضاءت على أعمال محفوظ الأولى والأخيرة؛ وتحدث فيها د. نزار قبيلات من جامعة محمد بن زايد، ود. أيمن بكر من جامعة الخليج في الكويت، ود. خيري دومة من جامعة القاهرة، والشاعر والكاتب اللبناني عبده وازن.
أما جلسة "شلّة الحرافيش"، فاستضافت شخصيات كانت مقرّبة من محفوظ ، تناولت ذكرياتهم معه، وتحدث فيها محمد سلماوي، ويوسف القعيد، والناقد د.حسين حمودة، والروائي نعيم صبري، ومن الأردن الكاتب حسين دعسة، أدارتها الكاتبة والإعلامية بروين حبيب.
وطرحت جلسة "نجيب محفوظ والنقد"، علاقته بهذا الفن، وأهم الاتجاهات والتيارات التي تناولت أدبه، كما تضمن البرنامج جلسات مثل: "نجيب محفوظ، ويبقى الأثر"، و"نجيب محفوظ في عيون العالم"، و"أحفاد نجيب محفوظ" ، و"عوالم نجيب محفوظ، و"نجيب محفوظ بين الحضرة والتكية" عن التصوّف في أعماله، بمشاركة د.هيثم الحاج علي، والسينارست عبد الرحيم كمال، والكاتبة الإماراتية صالحة عبي، والدكتور شريف صالح، وأدارها الإعلامي د. محمد عبده بدوي.
وكذلك جلسة "نجيب محفوظ على الشاشة" عن السينما في حياته، شارك فيها د. حاتم حافظ من أكاديمية الفنون، والكاتب الإماراتي جمال مطر، والسينارست محمد هشام عبية، وأدارتها الناقدة والكاتبة الصحفية علا الشافعي.
في حين تناولت جلسة "روايات نجيب محفوظ بشكل جديد"، الروايات المصوّرة للراحل، والتي صدرت للمرّة الأولى من معرض أبوظبي للكتاب، كما أقيمت جلسة حول علاقته بالمكان، شارك فيها د.رشا صالح، والكاتب الكويتي حمود الشايجي، والشاعر المصري شريف الشافعي.
وإذا استعرنا واحداً من فضاءات محفوظ الأثيرة وهو "التكية"، بكل ما تمثّله من قيم روحانية وتراثية، وصلة بين الأرض والسماء، ودلالة على تعاقب الأجيال، فإن معرض أبوظبي أقام بجدارة "تكية" ثقافية، كان محفوظ الإنسان والمبدع هو مركزها، بينما حضر وحاضر فيها كوكبة من الباحثين والمبدعين المصريين والعرب.