مع الأيام، نتأكد جميعا أن المعاناة الأنثوية وتناولها دراميا، تحتاج إلى رؤية نسائية تسير بحذر بين ثنايا نسيج العنكبوت، الذي فرضه العالم الذكوري حول قضاياهن، وكما يقول الأديب السويسري دورينمات: "المرأة لا تحتاج إلى التفكير بالمعنى الذكوري"، ونتابع ذلك من خلال توليفة درامية مشوقة قدمها المخرج رامي حنا والكاتبة اللبنانية نادين جابر في مسلسل "ع أمل"، بطولة ماجي بو غصن، ومهيار خضور، وإلسا زغيب، بديع أبو شقر، وميرلين نعمان، وريان حركة، ويتم تناول قضايا جريئة عانتها نون النسوة في الوطن العربي؛ وعلى رأسها قضية العذرية، وجرائم الشرف، وحقوقهن في اتخاذ القرارات وإثبات وجودهن.
تدور الدراما في مسلسل "ع أمل" في مجتمعين متوازيين ومتباينين، من خلال البيئة الثقافية والاجتماعية، مجتمع يسيطر عليه الهيمنة الذكورية، وآخر تتواجد فيه المرأة كشريك فعال له حقوق وعليه واجبات.
"ع أمل" يصور الجرائم ضد المرأة ضمن هيكله الدرامي، ويستكشف المشكلة باتباع نهج أكثر حساسية ومسؤولية في طرحها، متعمقاً في التعقيدات المحيطة بها، وناقش أهمية الحاجة إلى التغيير بكل جرأة وقوة.
خطورة الوضع الحقيقية
وتجاوز مسلسل "ع أمل" الميل إلى تصوير هذه القضايا بطريقة أحادية البعد التي غالباً ما تفتقر إلى العمق، وتفشل في تقديم خطورة الوضع الحقيقية، ولكنها تعطي المزيد من الإثارة، وهذا لا يحد من المسؤولية المجتمعية فحسب، بل يقلل أيضاً من الحاجة إلى إصلاح الأمور ومعالجة الأسباب الجذرية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وهو ما نراه عندما تتزوج "يارا" و"هارون"، الذي يحب أختها "هديل" زواج صوري، وحتى يتحقق حلم "يارا" في إكمال تعليمها.
تتضافر عناصر السرد في مسلسل "ع أمل"، لطرح مظالم المرأة وإقرار التعامل مع العلاقات خارج نطاق الزواج كوسيلة للقمع، تنجح هذه الوقائع المنظورة في التواصل مع التجارب الحياتية لبطلاته، وتقديم الديناميكيات الجنسية والنفسية لهن، بحيث يقتل "سيف" "رهف".
هناك أشرار آسرين
لإحداث تغيير في السرد، كان من المهم أن تروى الحكايات من وجهة نظر النساء المقهورات، ومن خلال الغوص في العقل الإجرامي لبعض الشخصيات وتسليط الضوء على الرحلة المؤلمة نحو النجاة منهم، ومن خلال هذه الصور الدقيقة التي قدمها مسلسل "ع أمل" تحدي المعايير المعتادة في تقديم تلك النوعية من الدراما، معتمداً على العمق واتساع الشخصيات، والقصص التي لا نهاية لها، ومن الواضح أن الصراع هو ما يحرك الأحداث، لذا؛ هناك أشرار آسرين وفريدين سيمنعون أبطال العمل من تحقيق أهدافهم.
أحداث مسلسل "ع أمل" مستوحاة من قصص واقعية من مجتمعنا العربي، ولكن الطرح في العمل اعتمد على تشريح نادين جابر لكل قصة، وإبراز جوانبها العدة، وتغليف ذلك في إطار تشويقي، وطرح الأسئلة حول أسباب تلك المشاكل، وتسليط الضوء على مفرداتها الشائكة، التي يعتبرها البعض جريئة.
باعتبار العمل تشريحاً للمجتمع، فهو يركز على الأشخاص الذين يعيشون على الهوامش، هناك مساحة لهم للتفكير والتنفس، وعرض بعض الفرح واليأس الذي يعيشه هؤلاء، مع التفاعل مع الأزمات في أعقاب الأحداث الرهيبة، مثل إلسا زغيب (صفاء)، وسيرينا الشامي (رهف)، وإيلي متري (يونس).
شراسة وحنان
لعبت مواقع التصوير كخلفية فنية، وكانت هي المكان المثالي لهذه القصة المظلمة والغامضة، والغريبة بشكل لا يصدق، حيث أضافت العزلة في مكان واحد بعيد عن الحميمية التي تبدو في بعض العلاقات السوية بين الأبطال، هناك شراسة وحنان يسريان في طريقة المخرج رامي حنا، والكاتبة نادين جابر، عبر التنقل بين كل قصة وأخرى، بشكل يبدو إنه خام وفوضوي، وفي بعض الأحيان مرتب بشكل كبير، وهذا يبدو بوضوح في تناول قصة المشاعر بين يسار وجلال، وعلاقة يسار وفرح.
مسلسل "ع أمل" يستكشف الشابات اللاتي، عندما يواجهن مأساة، يتعاملن مع حزنهن في تناقض شديد مع بعضهن البعض ظاهرياً، لكنهن يجدن في النهاية العزاء في مشاركة ضعفهن معاً، كما ظهر في إتحدهن ضد" سيف" لصالح يسار.
عند قراءة تفاصيل البناء الدرامي لمسلسل "ع أمل"، فإن فهم الشخصيات هو المفتاح للانغماس الكامل في السرد، وتمنحنا سمات الشخصية نظرة ثاقبة حول الأحداث، مما يساعدنا على الارتباط بها والتواصل معها على مستوى أعمق.
التصرف غير المسؤول
ماجي بو غصن، توحدت مع شخصية "يسار"، وامتزجت بها عاطفياً وفكرياً ونفسياً، إلى حد يجعل المشاهد في أحيان كثيرة يثور ضد قراراتها غير المتزنة، وتصرفاتها التي يغلب عليه الانفعال، بحيث تفتقر فيها إلى حنكة شخصية المذيعة التي تقوم بدورها؛ وظهر هذا واضحاً، عندما علمت وهي على الهواء، أن حنان وجدت مقتولة يوم كان من المفترض ظهورها في برنامج "ع أمل"، للحديث عن العنف الأسري، فاتهمت زوجها دون تفكير بالقتل، فيرفع زوج "حنان" دعوى قضائية ضد "يسار" والقناة للتشهير بسمعته، بعد اتهام "يسار" له بقتل "حنان"، هذا التصرف غير المسؤول، نابع من الخلفية النفسية للشخصية، التي عانت العنف الذكوري منذ طفولتها، وهو ما تكشف عنه الأحداث بشكل متصاعد ومتشابك مع مواضيع تعنيف المرأة وجرائم الشرف، مع احتضانها مجموعة من المشاعر والتعبير عنها، لكنها ليست دائماً مرتاحة للمشاعر جميعها، خاصة المرتبطة بحدث سلبي من الماضي. وهو ما يجعلها تشعر بالضعف، أحياناً تظهر "يسار" غير صبورة، يمكن لهذه السمة أن تستحضر صراعاً لا نهاية له، كما حدث مع "نبال".
التجربة الإنسانية
تبدو شخصية "نبال" (مهيار خضور) يحيط بها الخداع - سواء كان متعمداً أو لا شعورياً، ويشعر المتفرج أن وراء ذلك سبب ناتج من التجربة الإنسانية، نجح السيناريو في رسم أبعاد الشخصية وتفاصيلها وميزها عن الآخرين، لتصبح أعمق وأكثر طبقات، وجنبها التحول إلى الكليشيهات، بأسلوب يمكن أن يبني التعاطف معها عندما نعرف أن الشخصية تسير في الاتجاه الخاطئ.
تميزت شخصية "جلال" (بديع أبو شقرا) بالرجولة والقدرة على التحمل والاحتواء، وشهد المشاهدون تطوراً دراماتيكياً لها على مدار الحلقات، حيث تنتهي علاقة "جلال" و"يسار" نهائياً، وتقوم مشادة بين "جلال" و"نبال"، لكن بغض النظر عن مدى تغير الشخصية، يظل الصديق المثالي مخلصاً إلى الأبد إلى "يسار"، بعيداً عن مدى تغير الاهتمام بالحب، بإخلاص حقيقي يظهر الطبيعة الداخلية له من خلال كلماته وإيماءاته البسيطة.
شخصية "سيف" (عمار شلق) المتزمتة، الذكورية العنيفة، ذلك سيؤثر بشكل كبير على تصرفاته وردود أفعاله، عندما يتعامل مع النساء المحيطات به، فسوف يبذل قصارى جهده لإخضاعهن لأفكاره، وللدفاع عن الشرف من منظور أفكاره، شخصية لا تتحكم في عواطفها، وسيتم تغيير أسلوبها في التعامل مع الصراعات؛ لأنها تتعامل مع الأمور بشكل مختلف عن شخص لديه قدر من ضبط النفس، نموذج الأنانية وخدمة الذات والغرور، قبل كل شيء الافتقار إلى الإنسانية، وغير قادر على الشعور بالتعاطف مع أي شيء سوى نفسه، هذه هي السمة الأكثر إثارة للقلق التي يمتلكها، لذا؛ يعتدي "سيف" على "ضحى" و"صفاء" و"أريج"، ويتفق "سيف" مع "عقيل" على اتهام "سركيس" بتزوير أبوته لـ"فرح".
* ناقدة فنية