الصين تطور شبكة اتصالات بالأقمار الاصطناعية مستوحاة من "برج بابل"

time reading iconدقائق القراءة - 6
الصين تطلق قمرها الاصطناعي Tiantong 1-03 من قاعدة في مقاطعة  سيتشوان. 20 يناير 2021 - AFP
الصين تطلق قمرها الاصطناعي Tiantong 1-03 من قاعدة في مقاطعة سيتشوان. 20 يناير 2021 - AFP
القاهرة-الشرق

حققت الصين تقدماً كبيراً في مجال الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية بفضل مشروعها الواعد "تيانتونج" Tiantong، ويعني "الاتصال بالسماء"، وهو مستوحى من أسطورة "برج بابل".

وفي عام 2008، أودى زلزال بقوة 8 درجات على مقياس ريختر، بحياة أكثر من 80 ألف شخص في مقاطعة سيتشوان جنوب غربي الصين، حيث تسبب انقطاع الاتصالات في العديد من البلدات إلى عرقلة جهود الإنقاذ.

وأطلقت الحكومة الصينية آنذاك، مشروع "تيانتونج" لإنشاء نظام اتصالات فضائي، يعتمد على فكرة ربط شبكات الاتصالات اللاسلكية الأرضية بشبكة أقمار اصطناعية فضائية.

وبعد مرور نحو 16 عاماً، نجح المشروع في تحقيق تقدم كبير بمجال الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية وظهور اتجاهات جديدة في تطوير الهواتف المحمولة.

وفي عام 2022 أطلقت "هواوي" Mate 50، وهو أول هاتف ذكي يقدم خدمة الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، ومن بعدها وصلت هواتف تقدم الميزة نفسها من شركات صينية كبرى مثل "شاومي"، و"أونور"، و"أوبو".

الاتصال بالسماء

و"الاتصال بالسماء" هو المعنى الحرفي لكلمة Tiantong في اللغة الصينية، وهي فكرة مستوحاة من أسطورة "برج بابل".

وبدأت الخطوة الأولى في تحقيق مشروع تيانتونج بإطلاق القمر الاصطناعي الأول من سلسلة تيانتونج-1 في 6 أغسطس 2016، تلاه قمران اصطناعيان في 2020 و2021.

وتُشكل الأقمار الثلاثة شبكة تدور في المدار الخارجي للأرض على ارتفاع يبلغ 36 ألف كم من سطحها، وتغطي منطقة آسيا والمحيط الهادئ بالكامل من الشرق الأوسط إلى المحيط الهادئ.

ومع تعاون الحكومة الصينية مع شركات تقنية محلية، مثل "هواوي وأوبو وشاومي"، أصبح هناك ملايين الصينيين القادرين على إجراء الاتصالات بشكل طبيعي، دون الحاجة إلى الاتصال بالشبكات الخلوية التقليدية، وذلك مقابل دفع اشتراك شهري في الخدمة قيمته 10 يوان، أي ما يعادل 1.38 دولار.

وتحققت بكين من أنها تسير على المسار الصحيح في 18 ديسمبر الماضي، حينما ضرب زلزال بقوة 6.2 درجة مقاطعة قانسو الشمالية الغربية، مسبباً انقطاعات في الاتصالات على نطاق واسع.

ولكن هذه المرة، تمكّن العديد من المتضررين من الكوارث من الاتصال بالعالم الخارجي عبر خدمة الاتصالات الفضائية على هواتفهم الذكية.

تحدي بابل

وفي أسطورة "برج بابل"، انهار البرج لأن العمال المشاركين في بنائه كانوا يتحدثون لغات مختلفة، ما حال دون فهمهم بعضهم البعض، وبالتالي صعوبة تبادل وجهات النظر، فتشتتوا وانهار البرج.

وبتطبيق الفكرة نفسها على طريقة عمل الاتصالات الأرضية عبر الأقمار الاصطناعية، نجحت مجموعة بحثية صينية في فهم أكبر تحدٍ ظل يعيق تحقيق هذه الطفرة التقنية لسنوات طويلة.

وتحتاج الأقمار الاصطناعية إلى إنتاج إشارات كهرومغناطيسية قوية للغاية، لتصل إلى الهواتف الذكية التقليدية، ولتتمكن شرائح الاتصالات بداخلها من استقبال الإشارات، ولكن عند إجراء هذه العملية مع عدد كبير من الهواتف في الوقت نفسه، يصبح هناك خطر تداخل الإشارات معاً، ما يتسبب في تراجع جودة الاتصالات، وذلك يهدد بتعطيل شبكة الاتصالات بالكامل.

وتمكّن الفريق الصيني، المكون من علماء وباحثين بأكاديمية التكنولوجيا الفضائية الصينية، من إيجاد حل مبتكر لهذا التحدي، والمعروف علمياً باسم التكوين البيني السلبي Passive Intrermodulaltion، والذي يُطلق عليه PIM اختصاراً، من خلال اكتشاف أن السبب الرئيسي وراء حدوث التداخل هو استخدام مكونات مصنوعة من معادن مختلفة لتصنيع شرائح الاستقبال داخل الأقمار الاصطناعية.

وبحسب ورقته البحثية المنشورة في فبراير الماضي، استخدم الفريق آليات فيزيائية متطورة لإنشاء نموذج ذكي يتوقع احتمالية ودرجة حدوث تداخل الإشارات الكهرومغناطيسية، مع الأخذ في الاعتبار العوامل الخارجية، مثل التيار الكهربائي والحرارة والضغط والاهتزازات، وغيرها.

ومن هنا، طوّر الفريق أول نظام عالمي قادر على إجراء التحليل العددي لاحتمالية وقوع التداخل، اعتماداً على فهم المعمارية المعقدة لمكونات الموجات اللاسلكية، وتأثير العوامل الخارجية عليها، وأسهم هذا في تيسير إجراء الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية من خلال استخدام الهواتف الذكية دون الحاجة إلى إضافة هوائيات خارجية لإرسال واستقبال الإشارات مع شبكة الأقمار خارج الأرض.

منافسة قوية

وفي الوقت الذي قطعت خلاله الصين شوطاً كبيراً في مجال الاتصالات الفضائية، دخلت شركة "سبيس إكس" الأميركية في هذا المجال مؤخراً، إذ أعلنت في 2022 تعاونها مع شركة T-Mobile، لتقديم خدمات الاتصالات عبر شبكة الأقمار الاصطناعية "ستارلينك" Starlink Direct to Call.

ولكن الغالبية العظمى من أقمار "ستارلينك"، التي يتجاوز عددها 5 آلاف قمر، وتدور في المدار المنخفض للأرض، لا تدعم تقديم خدمات الاتصالات عبر الهواتف الذكية، لذلك فالشركة الأميركية ما زالت بحاجة لإطلاق المزيد من أقمارها لتقديم الخدمة المنشودة، والتي، بحسب موقع الشركة، تستهدف إتاحة إجراء المكالمات الصوتية والاتصال بالإنترنت وكذلك إنترنت الأشياء بحلول 2025.

ويتمثل الاختلاف الكبير بين المشروع الصيني "تيانتونج" وخدمة "ستارلينك"، في أن الثانية تدور شبكة أقمارها في المدار المنخفض، أي على ارتفاع 550 كيلومتراً من سطح الأرض، وبالتالي سيقلل هذا من معدل التداخل الذي يعاني منه مشروع الصين، ولكن في الوقت نفسه ستحتاج "سبيس إكس" إلى استخدام أكثر بكثير من 6 أقمار اصطناعية، وهو عدد أقمار الشبكة التي تقدم خدمات الاتصالات عبر "ستارلينك"، إذا رغبت في توصيل خدماتها للملايين من مستخدمي الهواتف الذكية حول العالم.

وتتمتع "سبيس إكس" أيضاً بأفضلية على الصين في مجال رحلات إطلاق الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء، من خلال صواريخها الفريدة القابلة لإعادة التحليق "فالكون 9"، والتي كسرت مؤخراً الرقم القياسي بالتحليق 20 مرة باستخدام المرحلة الأولى لصاروخ الإطلاق.

بينما ما زالت بكين تشق طريقها في مجال الصواريخ القابلة لإعادة التحليق.

تصنيفات

قصص قد تهمك