رغم العوائق.. قطار التطبيع التركي مع سوريا نحو مساره

دمشق تشترط انسحاب القوات التركية من أراضيها وسط رفض أنقرة

time reading iconدقائق القراءة - 7
الرئيس السوري بشار الأسد يستقبل رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان في مطار دمشق. 17 يناير 2011 - Reuters
الرئيس السوري بشار الأسد يستقبل رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان في مطار دمشق. 17 يناير 2011 - Reuters
إسطنبول -الشرق

في الخامس من مايو من عام 2013، نشر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما كان حينها رئيساً للوزراء، تغريدة باللغة العربية عبر منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، مهدداً الرئيس السوري بشار الأسد، بسبب ما وصفه "استخدام العنف ضد المتظاهرين السوريين"، قائلاً "قسماً بربي ستدفع الثمن غالياً".

لكن بعد عقد من الزمن ظهرت مؤشرات على محاولة استدارة سياسية قام بها الزعيم التركي تجاه عدد من الدول، ومن ضمنها سوريا، فقبيل الانتخابات الرئاسية الماضية في تركيا، وتحديداً خلال شهر مايو، أي بعد 10 سنوات بالضبط من تهديده للأسد، خرج أردوغان في تصريحات أثارت انزعاجاً كبيراً في أوساط المعارضة السورية، إذ قال "مستعدون للقاء الأسد، فليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم في السياسة".

بعد أيام قليلة من تصريحات رجب طيب أردوغان، ظهر وزير خارجيته آنذاك مولود جاويش أوغلو في صورة مع نظيره السوري فيصل المقداد، فيما اعتُبر حينها أعلى مستوى من اللقاءات الدبلوماسية بين الجانبين بعد 12 عام من القطيعة.

"صفر مشكلات"

في إجابتها على سؤال لـ"الشرق"، بشأن التقارب التركي السوري، اعتبرت القيادية في حزب العدالة والتنمية الحاكم، آليكون تكين، أن "تطبيع العلاقات مع دمشق أمر مهم، نظراً إلى أن سياسة أنقرة الخارجية تهدف إلى الوصول إلى حالة صفر مشكلات".

لكن تكين أشارت في الوقت نفسه، إلى أن "هناك عوائق متعددة تمنع إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع حكومة دمشق، حيث هناك ملفات كبيرة وخطوات متعلقة باللاجئين، والمعتقلين، وملفات حقوق الإنسان في سوريا، وكذلك العقوبات الغربية التي تمنع التعامل مع الأسد".

وأضافت: "لدينا تواصل مباشر وتواصل غير مباشر مع دمشق، ونهدف لمنع نشوب صراع جديد بين الحكومة السورية والمعارضة، وقد شاركت تركيا في محادثات آستانا طوال السنوات الماضية، ونريد الحفاظ على النتائج التي حققناها".

وساطة روسية لتطبيع العلاقات

رئيس مركز المصالحة السورية عمر رحمون، وهو يعيش في دمشق، اعتبر أن "تركيا لا ترغب في إشعال جبهة جديدة بين الدولة السورية والمعارضة، إذ يريد الأتراك التوصل إلى تفاهم مع الدولة السورية من خلال المسار الرباعي الذي يضم أنقرة إلى جانب دمشق، وموسكو، وطهران، لا سيما أن الحل لن يكون إلا حلاً سلمياً".

وفي حديث لـ"الشرق"، أكد رحمون، أن "الاتصالات بين الجانبين لا تزال مستمرة بين الطرفين السوري والتركي عبر الوسيط الروسي".

ولطالما أعربت روسيا عن استعدادها لبذل جميع الجهود لتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، واستئناف المحادثات التي تشهد جموداً منذ اجتماعات الدورة الـ20 لصيغة آستانا التي عقدت في يونيو الماضي.

وكانت المحادثات توقفت بسبب تضارب المواقف بين الجانبين التركي والسوري، فيما يتعلق ببقاء القوات التركية في شمال سوريا.

عائق إيراني

على عكس رأي رحمون، يعتقد المعارض السوري ضياء قدور أن "إيران فيما يتعلق بالملف السوري تنظر لتركيا على أنها عدو لدود، وأكثر دولة صاحبة نفوذ يُمكن أن تُهدد المصالح الإيرانية في سوريا بشدة، وتعرضها للخطر".

وفي حديث لـ"الشرق"، أضاف قدور وهو باحث في الشأن الإيراني، أن "أي تطبيع بين أنقرة ودمشق، لا يكون فيه انسحاب للقوات التركية من سوريا كبند أول، هو تطبيع مرفوض من قبل طهران".

لكن تركيا ترغب في إقامة حزام أمني يمتد بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً شمال سوريا خلف حدودها الجنوبية، لمنع هجمات وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها امتداداً لـ"حزب العمال الكردستاني" في سوريا.

في المقابل، طرحت روسيا، العودة إلى "اتفاقية أضنة" الموقعة عام 1998، والتي تسمح للقوات التركية بالتوغل في الأراضي السورية لمسافة 5 كيلومترات فقط لملاحقة الفصائل الكردية.

وفي سبتمبر من العام الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إنه عرض على الجانبين التركي والسوري، سحب القوات التركية مع تقديم ضمانات من دمشق بحماية الحدود.

تأثير غزة

خلال مشاركته في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، في مطلع مارس الماضي، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إن موسكو "مهتمة بتعزيز تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا"، مضيفاً أن بلاده لا تزال تعمل على ذلك، قبل أن يوضح أن "الخطوات العملية الآن مستحيلة، بسبب الأوضاع في غزة".

ولعبت روسيا دوراً مهما في الوساطة بين أنقرة ودمشق، وسبق أن استضافت العاصمة موسكو أول لقاء علني بين الطرفين نهاية 2022، ولذلك يرى محللون أن الدور الروسي مهم في هذا الجانب، وتعليقاً على ذلك، قال المحلل السياسي الروسي ديميتري بريجع، إن "روسيا تعد الوسيط الفعال في جهود تحقيق التطبيع بين تركيا وسوريا، إذ تسعى إلى تعزيز التعاون وتشجيع التفاهم بين البلدين".

وأضاف بريجع، أن روسيا ترى في التطبيع بين أنقرة ودمشق تعزيزاً لمكانتها الإقليمية، إلى جانب الإسهام في إيجاد حل للأزمة سوريا.

وتابع: "كما أن موسكو تفهم هواجس تركيا الأمنية، وتُقدر مطالب دمشق بانسحاب القوات التركية، لكن رغم محاولات التطبيع التي قدمتها روسيا كوسيط، تبدو العقبات كبيرة، فالشروط التي تطلبها دمشق مثل انسحاب القوات التركية وتجاوز مشكلات أمنية، تعيق بشكل كبير فرص التسوية".

تعاون أمني واستخباراتي

في حديثه لـ"الشرق"، رأى المحلل السياسي الروسي ديميتري بريجع، أنه رغم التباطؤ الشديد لقطار التطبيع بين سوريا وتركيا، إلا أن هناك استمرارية في "التعاون بالمجال الأمني بين أجهزة استخبارات البلدين، ولا سيما بخصوص ملفات تتعلق بالمنظمات الإرهابية، كتنظيم (داعش)، وغيرها من الملفات، على غرار تلك التي تتعلق بالمخاوف الأمنية التركية الخاصة بنشاط حزب العمال الكردستاني".

الشرط الأبرز بالنسبة للحكومة السورية، حتى تمضي في مسار التطبيع مع تركيا، هو انسحاب القوات العسكرية للأخيرة من مناطق نفوذها شمالي سوريا، وهو شرط قالت أنقرة في أكثر من مناسبة إنه لن يتحقق قبل عودة الاستقرار وتحقيق حل سياسي في سوريا.

وآخر التصريحات التركية الواردة بهذا الخصوص، هو ما قاله وزير الدفاع يشار جولر قبل أسابيع، بأن بلاده "تتعهد بإنهاء الوجود العسكري في سوريا بمجرد استعادة الأمن، واتفاق الحكومة السورية والمعارضة على دستور جديد وانتخابات لضمان الاستقرار".

وأوضح جولر آنذاك، أن "هذه الشروط قد تُمهد الطريق لإنهاء الصراع في سوريا"، مؤكداً أن تركيا "لا تريد أراضي دولة أخرى".

تصنيفات

قصص قد تهمك