تونس والاتحاد الأوروبي.. الشريك الضحية في ملف الهجرة

time reading iconدقائق القراءة - 12
مهاجرون أفارقة ينصبون خياماً عقب وصولهم إلى تونس ضمن رحلتهم للجهرة إلى أوروبا في صفاقس بتونس. 31 يناير 2024 - AFP
مهاجرون أفارقة ينصبون خياماً عقب وصولهم إلى تونس ضمن رحلتهم للجهرة إلى أوروبا في صفاقس بتونس. 31 يناير 2024 - AFP
تونس -نضال عازم

لا تفوت رشيدة الباجي البالغة من العمر 62 عاماً، تظاهرة تخص الهجرة، أملاً في الحصول على خبرٍ يتعلق بابنها، أيمن العياري، المفقود في إيطاليا، وتقول لـ"الشرق": "أناضل منذ 2011 من أجل معرفة حقيقة مصير ابني".

تشارك إلى جانب أمهات أخريات في وقفة احتجاجية أمام السفارة الإيطالية وسط العاصمة تونس، مناشدة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، البحث عن حقيقة اختفاء ابنها، وأكثر من 570 شاباً تونسياً مفقوداً، تأكدَ وصولهم إلى الأراضي الإيطالية في رحلات هجرة غير شرعية.

وتقول رشيدة إنها سافرت إلى إيطاليا مرتين، قضت خلالهما أكثر من عام في البحث، علمت بتواجد صديق ابنها الذي شاركه ركوب البحر، في أحد السجون، ليبقى مصير "أيمن" غامضاً.

ومع تواتر أنباء موت المهاجرين في المعتقلات، تخشى أمهات المفقودين أن يبقى أبناءهن في مراكز الاحتجاز الإيطالية إلى الأبد، وهو مصيرٌ، لا يقل رعباً عن حقيقة أن يحتجز البحر المغامرين كحال الآلاف من ضحايا قوارب الموت.

ونظم عشرات النشطاء والمنظمات وقفة احتجاجية أمام السفارة الإيطالية في العاصمة التونسية، الأربعاء الماضي، احتجاجاً على زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي تجريها في تونس، وطالب المتظاهرون بكشف حقيقة المهاجرين المفقودين في إيطاليا، وخاصة الذين ماتوا منهم في ظروف غامضة في مراكز الاحتجاز الإيطالية، بعد تأكد وصولهم.

وجددت المنظمات الحقوقية في تونس، رفضها سياسات الهجرة الأوروبية، التي تُغذيها الحملات الانتخابية للأحزاب اليمينية لاستمالة أصوات الناخبين، من خلال مزيد دعم المنظومة الأمنية في تونس وإقناع السلطات بإقامة مراكز احتجاز للمهاجرين على الأراضي التونسية.

تكلفة إنسانية باهظة

وأكد رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن لسياسات تصدير الحدود و"أمْنَنَـــةُ" قضايا الهجرة، انعكاسات رهيبة على المستوى الإنساني، وأن التكلفة الإنسانية لهذه السياسات الأمنية التي تنخرط فيها تونس، تترجمها حالات الموت والغرق على السواحل التونسية التي تحولت إلى نقطة مميتة، إضافة إلى تضييق السلطات في تونس على المهاجرين العالقين بمنعهم من العمل ومن التنقل، حيث يُجبرون على الإقامة في الأرياف، ويُمنع الواصلون الجدد في الحدود البرية من دخول تونس، عبر الحدود الجزائرية غرباً والحدود الشرقية مع ليبيا في جنوب تونس.

وأضاف رمضان بن عمر، أن الجانب الأمني طغى في الآونة الأخيرة على مستوى التعاون بين تونس والاتحاد الأوروبي، ومع بعض الدول الأوروبية، خصوصاً بعد أن تحولت تونس في العام الماضي إلى نقطة انطلاق رئيسية للهجرة غير النظامية.

وتشمل البرامج التي نصت عليها مذكرة التفاهم التي بلغت قيمتها نحو 105 ملايين يورو، برامج دعم في إطار التعاون الثنائي مع ألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، وتخص المعدات والتدريب والتجهيز وإنشاء منظومات حدودية على السواحل التونسية، وعلى حدودها الغربية مع الجزائر، بهدف الحد من عمليات الوصول والتدفقات.

وتزيد إمكانيات السلطات الأمنية التونسية المدعمة، المخاوف لدى مناصري قضايا الهجرة وحقوق الإنسان من إفراط استعمال الوحدات الأمنية لهذه التجهيزات المتطورة والتقنيات الحديثة، في زجر ومنع الهجرة، أكثر من توظيفها في عمليات البحث والإنقاذ وإغاثة ضحايا الهجرة.

"لا معبر ولا مستقر"

الرئيس التونسي قيس سعيد، تطرق إلى موضوع الهجرة غير النظامية، في ثلاث مناسبات خلال أقل من أسبوع، مؤكداً أن"تونس التي تعامل المهاجرين معاملة إنسانية، ترفض أن تكون لا معبراً ولا مستقراً".

وأضاف: "نعاملهم معاملة إنسانية لأنهم ضحايا، ولكن تونس لن تكون ضحية لمن قرروا أن تكون مقراً لهؤلاء".

وأشار قيس سعيد، إلى أن هذه الظاهرة التي تتفاقم كل يوم لم تكن تونس أبداً سبباً من أسبابها، بل بالعكس، فهي تتحمل تبعات نظام عالمي أدى إلى هذه الأوضاع غير الإنسانية، كما أن المنظمات الدولية المتخصصة التي كان من المفترض أن تقف إلى جانب تونس، تكتفي في أغلب الأحيان بالبيانات أو تحاول فرض أمر واقع لن يقبله التونسيون أبداً.

الشريك الضحية!

وفي هذا الشأن، أكد حسن البوبكري، أستاذ الجغرافيا وقضايا الهجرة في الجامعات التونسية، أن تونس فعلاً ضحية، اعتباراً لاستقبالها مهاجرين من ليبيا، ومن الجزائر.

ويشير البوبكري إلى أن ليبيا تعتبر بلداً غير آمن يواجه تهديدات كبيرة على أمن المهاجرين الأفارقة في غياب الأمن والحماية لهم، وفي كثير من الأحيان تورطت في استغلالهم المجموعات المسلحة، وحتى قوات الأمن ومراكز احتجاز المهاجرين اتهمت بشبهات اتجار بالبشر، بحسب شهادات عديدة وردت عبر مصادرة مختلفة.

ويضيف البوبكري أن هذا يؤكد أن ليبيا "بلد غير آمن" يهرب منه المهاجرون إلى تونس، أما بخصوص الجزائر التي تطبق سياسة جدّ صارمة، فيهرب منها المهاجرون أيضاً إلى تونس قبل طردهم أو ترحيلهم وتسفيرهم نحو صحراء مالي وخاصة النيجر.

تزايد أعداد المهاجرين الوافدين براً، شكّل ضغطاً متزايداً على تونس من خلال ارتفاع الوسطاء والمهربين وعصابات الهجرة التي تقوم بإدخال المهاجرين خلسة، ولكن تونس تستقبل أيضاً عن طريق الجو أعداداً أخرى من دول جنوب الصحراء بشكل قانوني عبر الإقامة السياحية.

وتفتقر تونس إلى منظومة حماية واستقبال وإغاثة للمهاجرين، لأنها لا تتوفر على الإمكانيات المادية واللوجستية لاستقبال وحماية وعلاج المهاجرين الوافدين على أراضيها بشكل غير قانوني، لتصبح مجبرة على ترحيلهم ومنعهم بمقاربتها الأمنية في التعامل مع أزمة الهجرة، أو أن تتحول إلى منصة دولية للهجرة.

ويعتبر المختصون تونس "شريكاً في نفس الوقت"، من خلال عدم حمايتها للمهاجرين وسياساتها التي تلتقي في جوهرها مع سياسات الاتحاد الأوروبي، المتمثلة في غلق الحدود ومنع العبور والإعادة القسرية، لتتحول تونس إلى حدّ ما، إلى "سجن مفتوح بغلق مزدوج"، أمام التونسيين غير القادرين على الوصول من ناحية، وأمام المهاجرين الأجانب الذين يسعون إلى المغادرة نحو السواحل الأوروبية.

ويتمثل الضغط المسلط على تونس، في اضطرارها إلى حماية حدودها البرية والبحرية، لتتأكّد صفة الشريك لديها من خلال إرجاعها للمهاجرين من عرض البحر وخدمتها لأهداف تخدم مصالح البلدان الأوروبية في تقليص عدد عمليات الإنزال على سواحلها قدر المستطاع، ليمثل مصدراً إضافياً رابعاً للوافدين بشكل غير نظامي على أراضيها، عبر مسارين برّاً، وجواً عبر مطاراتها، وبحراً وفق ما تؤكده بلاغات خفر السواحل التونسي أسبوعياً، من إحباط لعشرات محاولات عبور الحدود البحرية وإنقاذ مئات المهاجرين من جنسيات دول إفريقيا جنوب الصحراء.

التزام تونس بشراكتها مع دول الجوار الأوروبي في شمال المتوسط، حوَّلها إلى "ضحية أساسية للهجرة في المنطقة"، حيث أدى ارتفاع أعداد المهاجرين إلى ضغط على بعض المدن التونسية، بلغ في بعض الأحيان حد تسجيل توترات ولّدت مشاعر الكراهية وعدم قبول الآخر لدى المجتمعات الأهلية، والاعتداء على بعض الأجانب في أحيان عدّة.

ميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي

وفيما ينتظر المئات من المهاجرين غير النظاميين في غابات الزيتون على تخوم سواحل محافظة صفاقس، فرصة للعبور نحو السواحل الأوروبية في ظروف معيشية قاسية، صادقت دول التكتل الأوروبي، الأسبوع الماضي على ما سمته "ميثاق الهجرة واللجوء" الذي يمثل جملة اللوائح والسياسات المتعلقة بالتدفقات الهجرية، بعد مناقشات ومحادثات دامت عشر سنوات.

ويشمل قانون الهجرة الجديد إجراءات وصفت "باللا-إنسانية"، حيث تلقى رفضاً واسعاً في أوروبا من المنظمات الحقوقية، بلغت ذروتها مع رفع دعاوى قضائية مستعجلة في باريس لتطعن فيها.

وتنص اللوائح الجديدة على الترحيل القسري للمهاجرين، وسرعة البت في طلبات اللجوء، ولكن يعدّ أخطرها بالنسبة لدول الجوار، إقامة مراكز احتجاز جديدة على حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية، سواء البرية أو البحرية أو الجوية بهدف تبسيط وتسريع عملية البت في طلبات اللجوء.

رفض سياسات الهِجرة في أوروبا، لم يشمل فقط القوانين المصادق عليها حديثاً في بروكسل، بل بلغت في إيطاليا، عبر رفع قضية مستعجلة ضدّ مرسوم التمويل الذي مكن من منح تونس 4.8 مليون يورو لنقل ستة قوارب سريعة، قالت جمعيات إيطالية إنه يفتقد للشرعية، وطالبت بحظره، وطعنت في مشروعيته، وفق وسائل إعلام إيطالية، ينتظر أن تنظر فيها المحكمة يوم 30 أبريل الجاري.

خطوات جورجيا ميلوني

أجرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني زيارتها الرابعة إلى تونس في الأشهر العشر الأخيرة، ضمن سلسلة من اللقاءات المخصصة لبحث أزمة الهجرة التي أفضت إلى توقيع مذكرة تفاهم مع تونس في يوليو الماضي، ثم إلى قمة إفريقية-إيطالية حول الهجرة في روما كان قد دعا إليها الرئيس التونسي.

وتواجه ميلوني تحديات كبرى لإنجاح اتفاقية الشراكة مع تونس، التي تعرضت لانتقادات واسعة بين الشركاء الأوروبيين في إطار تنافسهم على النفوذ الخارجي، قبل خصومها السياسيين في الداخل الإيطالي.

بدورها، نشرت الوكالة الأوروبية للحُدود وخفر السواحل الأوروبية "فرونتكس" في تقريرها السنوي، تحليلات وتوقعات لتدفقات الهجرة، مع تسجيل نحو 420 ألف عملية اجتياز للحدود الأوروبية، منها 380 ألف عملية دخول.

وأعلنت "فرونتكس"، أن أوروبا شهدت في عام 2023 زيادة كبيرة في الهجرة غير النظامية، مما يعكس التحديات الجيوسياسية في المناطق المجاورة لها. مع الإشارة إلى زيادة وصول الفئات الضعيفة، بما في ذلك النساء والأطفال، مما يسلط الضوء على أهمية وضع تدابير الحماية في عمليات الاعتراض والإنقاذ.

وقالت "فرونتكس"، في بيان، الاثنين 15 أبريل 2024، أن عدد عمليات اجتياز الحدود غير النظامية إلى الاتحاد الأوروبي في الربع الأول من العام الجاري، انخفض بنسبة 12% بسبب الانخفاض الكبير في عدد الوافدين عبر وسط البحر الأبيض المتوسط بحسب الإحصائيات الأولية.

وكان وسط البحر الأبيض المتوسط، الطريق البحري الرئيسي الوحيد الذي شهد انخفاضاً في عمليات اكتشاف الاجتياز غير النظامي إلى أكثر من النصف على أساس سنوي بنسبة 59%، وواصل طريق وسط البحر الأبيض المتوسط، الذي شهد أكبر عدد من عمليات الاجتياز غير النظامية بين جميع طرق الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2023، منحاه التراجعي، مقارنة بالأشهر الأخيرة، مع اكتشاف حوالي 6700 حالة في مارس. وبذلك يصل إجمالي الربع الأول إلى ما يقرب من 11 ألف و400 حالة، أي بتراجع بنسبة 59% مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.

وأمام رهانات سياسية تتزامن مع سنة انتخابية، يسعى قادة الاتحاد الأوروبي لإنجاح اتفاقيات الهجرة مع دول الجنوب، التي تأمل في الوفاء بوعود أُعلنت ولم تُنفذ بشكل كامل.

وبين سعيها لفرض سيادتها على أراضيها وإكراهات التنمية والاستثمار مع شريكها الاقتصادي الأول، تسعى تونس لمجاراة أزماتها الاجتماعية والاقتصادية، زادها تغير المناخ والتحولات السياسية في المنطقة تعقيداً.

تصنيفات

قصص قد تهمك