"حرب التجسس".. اتهامات بالقرصنة توتر العلاقات بين لندن وبكين

time reading iconدقائق القراءة - 10
الأعلام الصينية والبريطانية في شوارع لندن قبيل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى بريطانيا. 19 أكتوبر 2015 - Reuters
الأعلام الصينية والبريطانية في شوارع لندن قبيل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى بريطانيا. 19 أكتوبر 2015 - Reuters
لندن-بهاء جهاد

جددت الحكومة البريطانية مؤخراً اتهاماتها للصين بمحاولة قرصنة بيانات تخص نواب البرلمان، والمرشحين للتصويت في الانتخابات العامة المقبلة. وتقول لندن إن بكين لم توفق في المرتين، ولكن ذلك لا ينفي الحاجة إلى رد رادع، وإجراء يمنع تكرار الفعل، ليأتي السؤال: ماذا تملك بريطانيا في جعبتها لمعاقبة الصين؟

محللون وخبراء ذكروا أن لندن يمكنها العمل على حماية بياناتها أكثر بكثير مما يسعها معاداة الصين. فثمة قائمة طويلة من التحديات السياسية والاقتصادية، التي تحول دون الخصومة مع بكين، وتحالف لندن مع واشنطن وعواصم الغرب الأخرى التي انكوت أيضاً بنار القرصنة الصينية، لن يذلل تلك التحديات في أيام أو أشهر أو حتى عام.

وبينما تواصل الصين إنكار تهم التجسس على بريطانيا. تقول لندن إن بكين لا تكتفي بمحاولة سرقة المعلومات، وإنما تبث أيضاً تقارير وبيانات إلكترونية مغلوطة، للتأثير في الرأي العام المحلي والعالمي بشأن قضايا بريطانية، مستدعية قصة مرض أميرة ويلز كيت ميدلتون، الذي استغلته الصين لنشر تقارير أضرت بسمعة العائلة الملكية. 

لماذا تتجسس الصين؟ 

في مارس 2023، قالت حكومة بريطانيا عبر مراجعة متكاملة لشؤون الدفاع والسياسة الخارجية، إنها ستحمي "الحريات والديمقراطية" في البلاد من التهديدات الأجنبية. وبعد بضعة أشهر فقط، أعلنت مفوضية الانتخابات في لندن عن هجوم إلكتروني استهدف بيانات 40 مليون ناخب. ثم حاولت مجموعة تسمى"APT31" قرصنة حسابات بريد إلكتروني لأربعة نواب في البرلمان البريطاني الحالي.

وقبل أيام فقط اتهمت بريطانيا الصين بالوقوف وراء الهجومين. ووفق نائب رئيس الوزراء أوليفر دودين، جرى استدعاء سفير بكين في لندن للتنديد، كما فرضت لندن عقوبات على شخص وشركة يمثلان واجهة عمليتي القرصنة. ولكن ما أهداف الصين من وراء التجسس على نواب البرلمان والناخبين في بريطانيا؟

يقول عضو البرلمان بوب سيلي، أحد النواب الأربعة الذين تعرضوا للقرصنة مؤخراً، إن حكومة بكين تتطلع إلى تحقيق 4 أهداف عبر التجسس، الأول هو رصد الأنشطة البريطانية المناهضة لسلوكياتها "غير الديمقراطية"، التي تمارسها ضد الأقليات في الصين. والثاني هو محاولة الوصول إلى الملكيات الفكرية التي تنتجها بريطانيا. فهذا يوفر عليهم سنوات طويلة من العمل والبحث والدراسة في مجالات الحياة كافة.

والسبب الثالث بحسب تصريحات سيلي لإذاعة "التايمز"، هو أن برلمانيين في بريطانيا يعملون لصالح جامعات ومراكز دراسات، ويشاركون في أبحاث مهمة جداً بالصحة والعلوم والذكاء الاصطناعي والاقتصاد وغيرها. لذا فإن قرصنة هواتف هؤلاء وبريدهم الإلكتروني قد يكشف مخرجات هذه الأبحاث. وهذا يقود نحو الهدف الرابع المتمثل بالتعرف على خطط بريطانيا المستقبلية في ترتيب علاقاتها الداخلية والخارجية.

انقسام حول الصين 

وينتمي النائب سيلي لتحالف برلماني دولي يراقب علاقات الصين مع الغرب، يعرف اختصاراً باسم (IPAC). وأصدر هذا التحالف بيان إدانة لمحاولة التجسس الصينية على البريطانيين. وقال إن الأمر ذاته فعلته بكين مع دول أوروبية وغربية أخرى. لذلك لا بد من تعاون دولي لمواجهة مثل هذا النوع من الأنشطة العدائية.

من جانبه، قال المحرر المعتمد في البرلمان البريطاني عادل درويش، إنه كلما طرأ مستجداً في التهديد الصيني لبريطانيا داخلياً أو خارجياً، تشتعل جبهة في البرلمان البريطاني بشأن العلاقة بين لندن وبكين. وكيف يمكن التعامل مع الدولة الآسيوية دون التعرض لخطرها، وسط كل التداخلات الاقتصادية والسياسية، التي تربط البلدين اليوم.

ويشير درويش إلى أن التحالف البرلماني الدولي المعارض للانفتاح الغربي على الصين، لا يفوت فرصة لحشد الرأي تحت قبة البرلمان باتجاه إظهار مزيد من الحزم في التعامل مع بكين. ولكن الأمر في نهاية الأمر غير قابل للتنفيذ عملياً، إلى الحدود التي يتمناها المنادون بالقطيعة مع الدولة الآسيوية أو إعلان الخصومة معها.

ويلفت درويش إلى أن تحالف (IPAC) يدعم موقف المشرعين البريطانيين المشككين بجدوى العلاقات الإيجابية مع بكين، ولكن هذا التحالف الذي تأسس في يونيو ٢٠٢٠، لا يمكنه تجاهل النفوذ الصيني الكبير في الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية على مستويات عدة. لذلك يدرك المنضمون إليه تعقيد تفكيك العلاقات مع القوة الآسيوية.

بين "التحدي" و"التهديد" 

ولم تنتهِ تداعيات محاولات القرصنة الصينية عند العقوبات والتنديد. فتفجر الحديث مجدداً في بريطانيا بشأن علاقات البلدين، ومدى الحاجة إلى إعادة النظر في تصنيف الدولة الآسيوية، بين أن تبقى تحدياً استراتيجياً، أم تصبح تهديداً لبريطانيا. وبين الوصفين تفاصيل كثيرة تستحق التأمل للفصل في إمكانية تصعيد لندن بوجه بكين.

وي مؤتمر صحافي قبل أيام، قال الزعيم السابق لحزب المحافظين إيان دنكان، إنه يتوجب على بلاده الآن الدخول في مرحلة جديدة من العلاقات مع الصين، وهذا يعني "التعامل مع الحزب الشيوعي الصيني المعاصر كما هو بالفعل، وليس كما نتمنى أن يكون"، لافتاً إلى أن المراجعة المتكاملة للسياسة الخارجية التي نشرت في مايو 2023، التي تصف الصين بأنها "تحد نظامي ومحدد للعصر"، تحتاج إلى قراءة جديدة متأنية. 

في المؤتمر ذاته، قال النائب المحافظ تيم لوتون، إنه يتوقع من نواب البرلمان البريطاني بعد حادثتي القرصنة، مزيداً من الضغط على حكومة حزب المحافظين، لاتخاذ مواقف حازمة في العلاقة مع الصين، منوهاً إلى أن وزارة الخارجية لا ترغب في التصعيد مع بكين، وتحاول دائماً احتواء الخلاف معها بأكثر الطرق دبلوماسية ومرونة.

وفرضت حكومة بريطانيا عقوبات على أفراد صينيين وشركة تكنولوجيا في ووهان، لتورطهم في هجمات إلكترونية استهدفت أعضاء في البرلمان واللجنة الانتخابية. وبموجب العقوبات، تُجمد أصول الجناة، ويحظر على المواطنين والشركات في بريطانيا إدارة أموالهم أو مواردهم. إضافة إلى ذلك، يحظر سفر الأفراد الخاضعين للعقوبات إلى بريطانيا، فيمنعون من دخولها أو الإقامة فيها.

خصومة صعبة مع بكين 

قبل ما يقرب من 10 أعوام، اعتلى وزير الخزانة البريطاني آنذاك جورج أوزبورن منصة بورصة شنغهاي، وأعلن "العقد الذهبي" للعلاقات الصينية البريطانية. بقي الأمر كذلك حتى أعلنت بكين قانون الأمن القومي في هونج كونج نهاية عام ٢٠١٩، ثم جاءت جائحة كورونا وما تردد عن دور الصين فيها، لتكتب خاتمة حزينة لذلك العقد.
 
وفي عام 2020، منعت الحكومة البريطانية شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة "هواوي" من المشاركة في بناء البنية التحتية لشبكة 5G في بريطانيا. وفي سبتمبر ٢٠٢٣، أصدرت لندن قانوناً يمنع استخدام الكاميرات الصينية في المواقع الحكومية، وفي العام ذاته حظرت استخدام تطبيق "تك توك" على الأجهزة الحكومية الذكية.

ويعتقد محرر الشؤون السياسية في صحيفة "التايمز" مايكل بنيون، أن المخاوف إزاء الصين تجاوزت حدود اعتبارها "تحدياً استراتيجياً". وبات تصنيفها كتهديد للدولة أمراً واقعياً. ولكن تغيير التصنيف اليوم سوف يستدعي تبعات لا تفضل لندن مواجهتها الآن، لأنها ببساطة غير مستعدة بشكل عام، وبخاصة على المستوى الاقتصادي.

ولفت بنيون في حديث مع "الشرق"، إلى أن "ارتفاع منسوب التصادم بين الصين وبريطانيا، ربما يفرح الولايات المتحدة التي يزداد التوتر بينها وبين الدولة الآسيوية. ولكنه سوف يضر حتماً بمصالح بريطانيا، وحجم الضرر لا يمكن تبريره بالخطب والمؤتمرات الصحافية عندما ينزل بالاقتصاد الوطني ضربات موجعة جداً".

"اعتماد على العدو"

من جهتها، تقول عضو حزب المحافظين سامنثا سونز، إن أي حرب تجارية أحادية مع الصين ستكون خاسرة بالنسبة لبريطانيا. ولذلك تفضل لندن أن تكون ضمن مواجهة أوروبية أكبر وأوسع مع بكين. مع الأخذ بعين الاعتبار، أن الجبهة الأوروبية بحد ذاتها لن تكون قوية كفاية، لأن دول القارة أفرطت في الاعتماد على "العدو". 

وتشدد سونز في حديث مع "الشرق"، على أن العلاقة المتوترة اليوم بين بريطانيا والدولة الصين، لم تصنف بعد بخانة تناسبها. فلا يمكن وصفها "بحرب باردة"، لأن بريطانيا لم تكن تعتمد على روسيا للحفاظ على اقتصادها في الحرب الباردة، ولا تقبل تسمية "الصداقة" أيضاً، لأن بكين تشكل تهديداً أمنياً وسياسياً مستمراً للندن.
 
وتستطرد سونز بالقول إن بريطانيا ربما لم تعتمد طوال تاريخها على خصم كما تعتمد اليوم على الصين. بدءاً من الإنترنت إلى السيارات، مروراً بالأجهزة الذكية والهواتف. إضافة إلى خطط معالجة أزمة المناخ، وجهود تعزيز التجارة عالمياً. وغيرها كثير من مجالات التداخل في العلاقات بين الطرفين. ناهيك عن الملفات السياسية. 

وتلفت العضو في الحزب الحاكم، إلى أن حال بريطانيا في العلاقة المتشعبة والمتداخلة مع الصين تشبه دولاً كثيرة في أوروبا وحول العالم. وتفكيك كل الارتباطات مع بكين، حتى تصبح بريطانيا قادرة على مواجهة تهديدات النمر الآسيوي، يعني عملاً شاقاً ومضنياً في الاعتماد على ذاتها، ربما يستغرق سنوات دون وقوع مفاجآت.

تصنيفات

قصص قد تهمك